![]()
مساء الثلاثاء، وفي ذروة الازدحام بسبب عيد الطائفة المرشدية، وصل عناصر من فرع "الأمن العسكري" بلباسٍ مدني إلى السوق التجاري التقليدي في اللاذقية، في حين اختبأ العشرات بسياراتهم في مكان بعيد قليلاً. الدورية أوقفت شابين من الطائفة المرشدية، طالبة بطاقاتهما المدنية، للتأكد من حالتهما العسكرية.
وما أن قبضت الدورية على أحد الشابين، بسبب تخلفه عن الخدمة العسكرية، حتى اعترض صديقه وصرخ، ما دفع رجل أمن للتجديف المسيء للمرشديين وإطلاق التهديدات. وما أن سمع الشاب المرشدي التجديف، حتى انهال ضرباً على رجل الأمن، قبل أن يتجمع المرشديون المتواجدون في السوق، موقعين رجال الأمن على الأرض تحت وابل الصفعات والضربات. وسرعان ما تدخلت "شعبة حزب البعث" في منطقة شارع هنانو، فخرج عناصرها بكامل سلاحهم وعتادهم وأطلقوا النار في الهواء. وبعد لحظات وصل إلى المنطقة حوالى مئة رجل أمن، وأمسكا الشابين وضربوهما أمام المارة جميعاً، بقسوة شديدة، مُهينين المرشديين قصداً، موجهين السلاح إلى المارة.
ما حدث الثلاثاء قد يكون الأول من نوعه، فالنظام تحاشى طويلاً مهاجمة المرشديين، الذين يتركز ظهورهم العلني في اللاذقية في يوم عيدهم السنوي؛ 25 آب/اغسطس، والذي يسميه المرشديون "عيد الفرح بالرب". في كل عام، يغزو المرشديون مدينة اللاذقية، بشكل جماعي، قبل يوم العيد، لشراء الحلويات والملابس. شراء الحلويات بشكل مبالغٍ به جعل بعض الناس يسمون عيد المرشديين بـ"عيد الحلو". طبعاً تُطلق الأوساط الشعبية أحياناً تسميات مُهينة على عيد المرشديين، فيما يُعتقد أنه بسبب الخلاف التاريخي على قضية انشقاقهم عن الطائفة العلوية، مع سلمان المرشد وأولاده إبان الثلث الأول من القرن العشرين. ولا يتجنب المجتمع السُني إهانتهم أيضاً بوصفهم لا يملكون ديناً. إلا أن العداء الاجتماعي الأكثر وضوحاً يبقى من المجتمع العلوي بوصف المرشديين ممن شقوا صف الطائفة.
هذه الطائفة الخاصة، والتي تُبقي أركان عقيدتها سرية، تبدو مسالمة رغم البُعد العصبوي الواضح لديها والمختلف نسبياً عن بقية المذاهب الإسلامية في سوريا. تماسك المرشديين ووحدة آرائهم إلى حدٍ كبير، ظهر جلياً إبان الثورة السورية. فلم تأخذ الطائفة المرشدية بُعداً أقلوياً، ولم تُشارك العلويين من أقربائهم الأقرب انغلاقهم على الثورة، أو التمسك بالنظام، أو دعم مليشياته.
وتمكن المرشديون من رفض التأييد الاجتماعي للعنف الذي كرسه النظام ودعايته في "تحالف الأقليات" ضد الثورة، ولم يشاركوا في المسيرات الموالية، بل واجتهدوا لإبراز حيادهم. هذا ما جعل العلويين يبالغون في إبراز النقمة ضد المرشديين، الذين لم يرفعوا صور الرئيس السوري بشار الأسد على نوافذ منازلهم، ولم يحتفلوا مع المليشيات بأي نصر، رغم سكنهم في أحياء العلويين. هذا ما جعل حيادهم مُكلفاً. ولا يخجل أي مرشدي من رفض القتل الذي بدأه النظام منذ اليوم الأول للثورة، فنطاق التعبير الشفوي كان واضحاً للجميع.
احتفظ النظام للمرشديين بحقهم في الحياد العسكري، باستثناء بعض مناطقهم في سهل الغاب التي أُجبروا فيها على حمل السلاح بالتعاون مع النظام لحماية أنفسهم من المليشيات الإسلامية المتشددة، والتي لم يحدث أن اصطدمت مع المرشديين أبداً، وهم لم يصطدموا بها.
حملات تجنيد الشباب في قوات النظام حاول المرشديون تجنبها بشكل كبير، وحافظوا على أبنائهم داخل القرى والبيوت. مصدر من عائلة سلمان المرشد، قال لـ"المدن"، إن "الآلاف من المرشديين لم يخرجوا من بيوتهم وقراهم إلا أثناء فترة العيد"، وهناك شباب يتخفون منذ أربع سنوات تجنباً للذهاب إلى الجيش. وكثيراً ما دفع المرشديون مبالغ كبيرة كرشى لمنع تجنيد أولادهم قسرياً.
النظام بدوره تجنّب نشر قواته الأمنية الخاصة بسوق الشباب إلى الجيش عنوة، في أعياد المرشديين السابقة. هذا العام يبدو مختلفاً، فالنظام نشر قواته المتخفية التي تخطف الشباب للخدمة العسكرية في أرجاء المدينة أثناء الاستعدادات لعيد "الفرح بالرب". الأثر كان شديداً، فحرم آلاف الشباب من المرشديين من زيارة المدينة، وحرموا من ممارسة طقوسهم في العيد، والذي يُشكل لهم أحد أجمل أيام حياتهم، بحسب وصفهم لعيدهم وقداسته. السوق امتلأ بالنسوة المرشديات فقط.
تجنب النظام للمرشديين يبدو وكأنه قد انتهى، فانتصاراته العسكرية بواسطة الدعم الإيراني والروسي، لم تغفر غضبه على حياد المرشديين، ويُعتقد اليوم أنه أوصل الرسالة واضحة: حيادكم مرفوض، واجتهادكم في الحياد لم يعد فعالاً.
مصادر "المدن" أشارت إلى أن الصراع بين التخفي والانتظار، بدأ اليوم بين النظام والمرشديين، وسط تأكيد بأن النظام قد يرسل قواته لجلب المرشديين من مناطقهم للخدمة العسكرية. صراع مُكلِفٌ للنظام، لكنه بات اليوم أكثر استعداداً لدفعه مع انتصاراته المعمدة بدم السوريين.
توقيت الرسالة كان مقصوداً في "عيد الفرح بالرب" هذه السنة، ما يبدو وكأنه سيحمل انتقاماً ممن فضّل الحياد.
almodon
المرشديون السوريون يحتفلون بعيد "الفرح بالله"
الجمل ـ أنس أزرق:
يوم 27 /8 / ثالث وآخر أيام عيد الفرح عند الطائفة المرشدية الصغيرة في سورية والتي يقدر عددها بحسب المصادر المرشدية ما بين 300 ألف إلى نصف مليون شخص يعيشون مابين محافظات اللاذقية، حمص، منطقة الغاب في حماة، وفي دمشق وريفها، هذه الطائفة لا توجد في بلد آخر سوى سورية، إلا بأعداد محدودة تعود لسوريين مهاجرين أو زيجات مختلطة أو أعداد صغيرة دخلت المرشدية.
عيد الفرح والذي لا يعرفه معظم السوريين، يشكل العيد الوحيد لهذه الطائفة ويصادف في الخامس والسادس والسابع والعشرين من شهر آب كل عام وهو مناسبة إطلاق الدعوة المرشدية على يد صاحب الدعوة المرشدية "مجيب سلمان المرشد" في 25 آب 1951 الذي ولد عام 1930م وقتل على يد عبد الحق شحادة آمر الشرطة العسكرية في عهد أديب الشيشكلي عام 1952م، ويرى فيه المرشديون المخلّص الذي أعطى المعرفة الجديدة عن الله فيما يعتبرون شقيقه ساجي معلم الدين وإمامه.
ولد ساجي عام 1932وغاب كما يرى المرشديون عام 1998ولا توجد عند المرشدية مرجعية دينية بعده.
أما نور المضيء المرشد، الشقيق الأصغر لساجي فهو رجل أعمال ومتعهد كان شاهداّ ومشاركاً في الكثير من أحداث الطائفة وأحداث سوريا المعاصرة ولا سيما موقف الطائفة الحاسم من الصراع الذي دار بين الرئيس الراحل حافظ الأسد وشقيقه رفعت 1982-1983 حيث وقفوا إلى جانب الرئيس الراحل. ورغم نفي نور المضيء المرشد لأي دور ديني له إلا أنه الشخصية الأكثر تأثيراً وبروزاً في الطائفة ويرددون ما قاله ساجي عنه "إنه معروفٌ عنه أنه حسن الرأي".
وهو من مواليد 1944 وقد عاش تفاصيل الحركة المرشدية يعرف الانكليزية بطلاقة وهو محاور بارع، لماح وعميق ولا تنقصه الدماثة ولا الهيبة. يوزع إقامته ما بين دمشق وحمص وقليلاً في الغاب وكرم المصرة في جبال اللاذقية في الصيف وهذه القرية تقع بجوار قرية مرشتي التي تضم جثمان (ساجي بن سلمان المرشد).
بينما لا يعرف المرشديون شيئاً عن مدفن سلمان المرشد أو مجيب فقد أخذت الحكومة جثمانيهما بعد قتلهما في عهد شكري القوتلي وأديب الشيشكلي وقرية كرم المعصرة أيضاً قريبة من قرية جوبة برغال مسقط رأس سلمان المرشد 1907-1946 الذي يرى المرشديون فيه "الإمام والزعيم الذي يحبونه ويحترمونه وهو الذي بشر بقرب ظهور المهدي وقرب وفاء الله لوعده ولم يدع الناس أن يتخذوه رباً".
يحتفل المرشديون، وهم في معظمهم مهذبون لطيفون إلا عندما تسيء إلى مقدساتهم أو تشتم متقصداً الدين أو الإله، يحتفلون في أيامهم الثلاثة 25-26-27 من كل آب بالتزاور والتهنئة بالعيد والتي لها عبارة خاصة عندهم "هنأك الله على الإيمان" فيجيب الآخر "أسعد الله حياتك".
مساءً يجتمعون في ساحاتهم لإحياء سهرة العيد والساحة ليست مكاناً سرياً إنما هي مكان يتجمع فيه المرشديون له نوافذ يمكن لغير المرشديين أن يسمعوا أو يروا ما يحدث فيها دون أن يتمكنوا من الدخول إليها.
يتصدر أحد جدران المكان صور سلمان ومجيب و ساجي المرشد ويتحلق المرشديون في ساحاتهم جلوساً على الكراسي صغاراً وكباراً، نساءً ورجالاً، ويتوسط الساحة ساحة أخرى أصغر فارغة من الكراسي تستخدم للدبكة أو الرقص أثناء الغناء حيث يبدؤون معاً بدون آلات موسيقية صاخبة أو آلات تكبير للصوت للدبكة إما بشكل مجموعات مختلفة من الشباب والصبايا أو غناءً إفرادياً.
يُغنى في هذه السهرات ما يحفظه الحضور أو المغنون من الأشعار التي قالها مجيب أو ساجي وكلها تُغنى ضمن ألحان معروفة ومشهورة اختارها المغنون ويتمايلون على هذه الأشعار وينزل بعضهم للدبكة عندما يسمح اللحن بذلك أو يرقصون في مكانهم.
لا يعتبر المرشديون أنفسهم مجتمعاً متمايزاً عن غيرهم فهم يتقاسمون الكثير من القرى مع الطوائف الأخرى وهم يعرفون المرشدية بـ "حركة روحية تعنى بطهارة السريرة وليس بقوانين الإدارة فهي ليست حزباً سياسياً ولا نظاماً اجتماعياً ولا برنامجاً اقتصادياً" ويعتمد المرشديون التشريعات المدنية أو التشريع الإسلامي فيما يخص الزواج والطلاق والمعاملات، لكن مهر الزواج عندهم فقط 400ل.س.
في كل الأحوال الطائفة تثير في أذهان الكثير من السوريين الكثير من الأوهام والأقاويل والخرافات التي يمكن التحقق من زيف معظمها بينما تبقى بعض الأسرار عصية على غير المنتمي إلى المرشدية.
الجمل