![]()
"نحن أحياء، لم نمت، تشوهنا قليلاً وتغيرت ملامحنا لكننا لم نمت، إنها لذة الحياة، أن تنفض غبار الموت عن جسدك الضعيف، وتنهض من جديد، لأن مئات الأرواح بانتظارك لتنقذها كما أنقذك الله".. يقول مؤيد الحافي، متطوع في الدفاع المدني، من الغوطة الشرقية، لموقع الحل السوري.
يضيف الحافي "تتزاحم صور الشهداء والجرحى في ذاكرتي، لأعود بها إلى هديل، تلك الطفلة التي كانت تحتضن والدتها تحت الركام، لم يستطع حضن والدتها أن يحميها من الموت"، مشيراً إلى أن "أصعب الصور التي تحاصره، صور أولئك الجرحى الذين انهارت عليهم أبنية بكاملها، ولم تستطع فرق الدفاع المدني إخراجهم من تحت الأنقاض، بسبب قلة الإمكانيات، وشدة القصف".
"كأنها أهوال يوم القيامة، والناس سكارى، يهربون من ظلمة أقبيتهم، مستسلمون لجلّادهم"، هكذا تصف أمل الصورة الأخيرة التي لن تنساها من الغوطة لموقع الحل، وتضيف "عشرات العائلات في قبوٍ واحد، الأطفال تبكي من جوعها، والأمهات عاجزاتٌ عن فعل أي شيء لأطفالهن، فلا طعام ولا شراب، والحياة الطبيعية متوقفة بشكل كامل".
وتقول أمل "صوت يملأ صداه القبو، إنه جارنا يصرخ ويقول: الطرقات مفتوحة إلى العاصمة دمشق، والناس كلهم يتجهون إلى مراكز الإيواء هرباً من القصف، فلنصالح النظام، لأن الهدنة ستنتهي بعد ساعات.. كانت أقسى لحظات حياتي، أن أهرب إلى من دمّر منزلي، وقتلَ عدداً من أفراد عائلتي، لكنني اضطررتُ للاستسلام من أجل أطفالي، لا أكثر".
"المشي فوق جثث الشهداء، دون القدرة على دفنهم" هو ما يتذكره معاذ من مدينة سقبا في الغوطة الشرقية، ذاك المشهد الذي عاشه خلال هروبه من قبوٍ لقبو، ويقول لموقع الحل "بدأ النظام يسيطر على مدينة تلو الأخرى، يوماً بعد يوم، وبدأت الأخبار تنتشر أن قوات النظام تمركزت على أطراف مدينة سقبا، ولم يكن أمامنا حلٌ سوى الهروب إلى قبو آخر في بلدة عين ترما، وأكثر ما آلمني منظر الجثث المتروكة في الطرقات، فلم يعد لدينا وقتٌ لدفنها، والجميع يقولون لي: الحيُّ أبقى من الميت، فلو بقينا وقتاً أطول، سيعتقلنا النظام، أو يقتلنا على الفور".
أصرَّ أبو عماد من مدينة حمورية في الغوطة الشرقية، على الصمود في منزله، متحملاً كل أصوات القصف لسبب واحد لم يكن يخبره لأحد حينها، لكنه أفشى سره قائلاً "توفيت زوجتي قبل عامين، وكانت تعشق الاهتمام بحديقة المنزل، وزرعنا معاً أشجار الليمون والرمان فيها، وبعد وفاتها، شعرت أن هذه الأشجار أمانة في قلبي، ولم أستطع مفارقتها، لكن صاروخاً عنقودياً جبرني على ذلك، بعد أن سقط في الحديقة، واحترق منزلي بالكامل"، لافتاً إلى أن "صورة الأشجار وهي تحترق لاتفارق خياله أبداً، لأنها الذكرى الوحيدة التي بقيت من زوجته، ومن المؤلم، أن تتحول أجمل الذكريات لأقساها وجعاً في القلب.. وفق قوله.
"اللون الأحمر عادةً ما يُرمز إلى الحب، لكن عندما تكون طبيباً من الغوطة، فلن يذكرك هذا اللون إلا بلون الدماء، وآهات الجرحى" تتلعثم الكلمات مع الطبيب أبو عمر، الذي عالج المئات خلال الحملة العسكرية الأخيرة للنظام على الغوطة الشرقية، ويقول لموقع الحل "الصورة الحمراء ما زالت تسيطر على عقلي، الجسد الأحمر، الوجه الأحمر، اليد الحمراء، صور الأطفال المندهشين من دمائهم، المصدومين مما حلَّ بهم، صورُ الجرحى مبتوري الأعضاء، وعجزهم أمام قدرهم، صور الجثث والأشلاء، كل الصور حمراء في ذاكرتي، وأحتاج وقتاً طويلاً لنسيانها، أو بالمعنى الأصح، لتناسيها".
شعورٌ بالضياع، شعرت به ندى عندما فارقت أهلها، الذين اختاروا تسوية وضعهم مع النظام، لتكمل طريقها مع زوجها، وتصف لحظات الوداع، لموقع الحل "صورة الوداع لا تفارقني، أشعر أنهم معي في كل لحظة، على الرغم من أنني لن أراهم لسنوات، فهم اختاروا البقاء في الغوطة، وأنا خرجت إلى الشمال السوري، دعوات أمي وأبي تحيط بي وترعياني ".
تمسك سارة هاتفها المحمول، وتشاهد صور زوجها وطفلها، اللذان سقطا ضحية غارة جوية من الطيران الحربي، لتبقى أسيرة ذكرياتها معهما، وتصف حجم مأساتها لموقع الحل "كنا نختبئ في القبو مع أكثر من خمس عائلات، اخترت زاويةً لي ولزوجي الذي كان يحمل طفلي، ويمدني بالقوة كي أستسلم للقدر وأرضى به، لأن قدرنا بيد الله وحده، وليس بيد النظام، وكأنه يعطيني جرعةً من الصبر لأستوعب ما ينتظرني.. دقائق معدودة بين حديثنا، وقصف الطيران للبناء الذي كنا نختبئُ في قبوه، الجدران كلها اهتزت والسقف بدأ ينهار علينا، الأطفال يتطايرون من الضغط، والغبار الأبيض يسيطر على المكان، لم أعد أرى طفلي وزوجي، كل ذلك حدث خلال ثوانٍ، واستيقظت بعده لأجد نفسي في المشفى."
تكمل ندى "سألت كل من حولي، أين طفلي وزوجي، أين هم أخبروني؟، والجميع ينظرون لي ويبكون، ويطلبون مني أن أكون قوية، فالموت حقٌ على الجميع، وعلمت حينها أن روحي فارقت جسدي.. أشك أنني ما زلت على قيد الحياة".
ورد مارديني
المصدر: الحل السوري