![]()
يقول معتقل سابق أن السجين يشتاق ويفكر كثيراً في ثلاثة أمور: المرأة والشمس والحرية، وربما من أسوأ ما يمكن أن يحدث لسجين أمضى أكثر من 15 سنة في زنزانته أن يخرج ويجد أن زوجته، التي فكّر فيها كثيراً وحلم باللحظة التي سيلتقي بها، قد طلّقته وتزوجت.
.
حدث ذلك عندما تمّ اعتقال جار من حارتنا، خلال سنوات الثمانينات، وغاب في أهوال السجون وغاب، وكأنه لن يعود أبداااا. ممنوع السؤال عنه، وممنوع معرفة مكانه أو مصيره. لديه صبيان، بعمر 7 و5 سن
وات، معروفان في الحارة عندما يمرّان من أمام الجيران أو يلعبان مع الآخرين بأنّ "أبوهم أخدوه"، "هدول يلي أبوهم أخدوه، وين؟ ما حدا بيعرف" أصبحت تلك العبارات تعرّف الطفلين وتختزل حاضرهما.
.
مع مرور السنوات، وزيادة مسؤولية الأولاد على عاتق أهل الزوج، وجهل مصير هذا الأخير، ومنع السؤال عنه، وترجيح إعدامه، تم طلاق الزوجة، وتزوجت من أخ زوجها المعتقل/المتوفي/الذي تم إعدامه كما الآخرين. أكملا حياتهما وأنجبت المزيد ... إلى أن تفاجئت العائلة يوماً، وبعد أكثر من 15 سنة غياب، بمن يطرق الباب!!! إنّه الزوج القديم وقد وَلِدَ من جديد، ومن دون إشارات مسبقة...سوى أن باصاً أوصله في الصباح الباكر إلى ساحة الشيخ ضاهر، وتركه هناك. هو طلب بخجل من سائق دراجة نارية: هل تعرّف عيلة معروف؟ نعم أطلع خلفي، وأوصله للحارة التي تسكنها تلك العائلة. على أول الحارة شاهد السائق شخصاً، فقال للخجول: هذا من عائلة معروف....فكان، وبالصدفة، هذا الشخص هو أخ المعتقل المولود من جديد.
.
في الحارة، تهامس الناس حول ما جرى وماذا سيجري بعد معرفة أن الزوجة طلّقت الزوج وتزوجت من أخيه. لكن الأمور جرت وبكل هدوء، إذ تقبّل الزوج سلسلة مصائبه، وأنّه في دولة تعتقل مواطنيها من دون محاكمتهم، وتمنع عن أهلهم الزيارة والسؤال عنهم، لا بل أحياناً كانت تهدد بالاعتقال كلّ من يسأل عن معتقل. فضلاً عن انكساره المستمر منذ سنوات، وحتى بعد خروجه نحو حرية مُقيدة، إذ يخرج، مثل الكثير من المعتقلين، من السجن وصوته منخفض دائماً، مطأطئ الرأس، لا يرفع بصره، وعليه أن يزور فرع الأمن مرة في كل شهر... كانت زيارة الفرع بعد الخروج من السجن لوحدها عقوبة.